رأى في هذا البيت بمعنى اليقين (أي : بمعنى عَلِم) ونحو : رأيتُ العلمَ نوراً . وقد تُستعمل بمعنى ظنَّ ، كقوله تعالى : (أي: يَظُنُّونَه) . وقد تأتي بمعنى (حَلَمَ) كما في قوله تعالى : وهي بهذه المعاني تنصب مفعولين . ( م ) وقد تأتي رأى بمعنى (أَبْصَرَ) نحو : رأيتُ القَمَرَ . وقد تأتي بمعنى (اعَتَقدَ) نحو : رأى المدرسُ صِحَّةَ هذه المسألة ( أي : اعتقدَ صحَّتها ) . وقد تأتي بمعنى
( أَصَابَ رِئَتَه ) نحو : رأيتُ محمداً ، تَقْصِد أَنَّك ضربتهَ فَأَصبْتَ رِئتَه . وهي بهذه المعاني تنصب مفعولاً واحدا . ( م )
2- عَلِمَ ، نحو : عَلِمْتُ زيداً أخاك . ومنه قول الشاعر :
وهي بمعنى اليقين ، ونحو : دَرَيْتُ النَّجاحَ قريباً من طَالِبِه .
5- تَعَلَّمْ - وهي التي بمعنى اعْلَمْ - كما في قول الشاعـر :
تَعَلَّمْ شِفَاءَ النَّفْسِ قَهْرَ عَدُوِّهَا فَبَالِغْ بِلُطْفٍٍ في التَّحَيُّلِ والْمَكْرِ
وهي بمعنى اليقين (أي: اعْلَمْ ) وفي الحديث:" تَعَلَّمُوا أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بأَعْوَرَ "
( أي : اعْلَمُوا ) . ( م ) فإن كانت أمراً من ( تَعَلَّمَ يَتَعَلَّمُ ) فهي متعدية إلى مفعول واحد ، نحو : تَعَلَّم النَّحوَ . فَتَعلَّمْ التي تنصب مفعولاً واحداً مُتَصَرَّفة ، وأما التي من أخوات ظنّ فجامدة لا تتصرف . ( م )
وأمّا أمثلة ، وشواهد أفعال الرُّجحان فكما يلي :
1- ظَنَّ ، نحو : ظننتُ زيداً صاحِبَك . وقد تستعمل لليقين ، كقوله تعالى :
وكقوله تعالى :الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم . وهي في الآيتين بمعنى عَلِمُوا .
وظنَّ بمعنى الرُّجْحان ، أو اليقين تنصب مفعولين .
2- خَالَ ، نحو : خِلْتُ زيداً أَخَاكَ . وقد تُستعمل خال لليقين ، كقول الشاعـر :
( م ) والأكثر في زَعَمَ أنْ تتعدَّى إلى مفعوليها بواسطة أنّ المؤكدة ، نحو قوله تعالى : وقوله تعالى : بَلْوردت ( أَنْ ) في الآيتين مخففة من الثقيلة ( أنَّ ) وتأتي كذلك مُشَدَّدة ، كقول الشاعر :
وَقَدْ زَعَمَـتْ أَنِّي تَغَيَّرْتُ بَعْـدَها ومَنْ ذَا يا عَـزَّ لا يَتَـغَيَّــرُ ( م )
5- عَدَّ ، نحو قول الشاعر :
فَلاَ تَعْـدُدِ الْمَوْلَى شَرِيكَكَ في الغِنَى وَلكِنَّمَا الْمَوْلَى شَرِيكُكَ في العُدْمِ
والمعنى : لا تظنَّ أنّ صديقَك وَحَلِيفك هو الذي يُشارِكُك المودَّة أيام الغِنى ،
ونحو : عَدَدْتُ الصَّدِيَق أَخاً .
* فإن كانت ( عَدَّ ) بمعنى ( أَحْصَى ) تعدّت إلى مفعول واحد ، نحو : عَدَدْتُ المالَ . *
والمعنى : قد كنتُ أظنّ أبا عمروٍ أخاً ثقة ، ونحو: حَجَا الطَّالبُ المدرسَ مديراً . ( م ) فإن كانت ( حَجَا ) بمعنى غَلَب في المحاجاة ، نحو :حَاجَيْتُه فَحَجَوْتُه ، أو كانت بمعنى ( قَصَدَ ) كقول الشاعر : حَجَوْنا بنِي النُّعمانَ إِذْ عَصَّ مُلْكُهُمْ ...، فهي متعديّة إلى مفعول واحد . ( م )
7- جَعَلَ ، بمعنى ظَنَّ ، كما في قوله تعالى : جعل في هذه الآية بمعنى ( ظنَّ ) ومفعولها الأول :
*فإن كانت جَعَلَ بمعنى ( أَوْجَدَ ) تعدَّت إلى مفعول واحد ، نحو قوله تعالى : وإن كانت بمعنى ( أَنْشَأ ) فهي ناقصة من أفعال الشروع التي تعمل عمل ( كان ) نحو : جعل المدرسُ يشرحُ الدرسَ . *
والمعنى : أَغِثْنِي يا أبا مالكٍ ، فإنْ لم تفعلْ فَظُنَّ أنَّى رجلٌ من الهالكين ، ونحو : هَبْ قولَك صحيحاً فما العَمَلُ ؟
* فإن كانت هَبْ بمعنى (خَفْ) تعدَّت إلى مفعول واحد ، نحو : هَبْ رَبَّكَ . وإن كانت بمعنى (الهِبَة) أي : الأُعْطِيَة ، نحو : هَبِ الفقراءَ مالاً ، فهي متعدية إلى مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر ، فهي بذلك ليست من أفعال القلوب ، ولا من أفعال التّحويل . * ثانيا : أفعال التَّحويل .
هي التي أشار إليها الناظم بقوله : "والتي كصَيَّرا ... إلخ " .
وهذه الأفعال هي : 1- صَيَّر ، نحو : صَيَّرتُ الطينَ خَزَفاً .
ج2- أشار إلى أنَّ أفعال القلوب منها ما ينصب مفعولين ، وهو : رأى ، وما بعده مما ذكره الناظم في أبيات هذا الباب ، ومنها ما ليس كذلك ( أي : لا ينصب مفعولين ) وهو قسمان :
س3- اذكر تقسيم ظن وأخواتها باعتبار تصرّفها ، وجمودها .
ج3- عرفنا أنّ هذه الأفعال قسمان، أحدهما : أفعال القلوب ، والثاني : أفعال التحويل. فأما أفعال القلوب فتنقسم باعتبار التصرّف وعدمه إلى قسمين : 1- أفعال مُتَصَرَّفَة ، وهي جميع أفعال القلوب ما عدا ( هَبْ ، وتعلَّمْ ) وهذه الأفعال المتصرّفة يأتي منها الماضي ، نحو : ظننتُ زيداً قائماً ، والمضارع ، نحو :
أظنّ زيداً قائماً ، والأمر ، نحو : ظُنَّ زيداً قائمًا ، واسم الفاعل ، نحو : أنا ظَانٌّ زيداً قائماً ، واسم المفعول ، نحو : زيدٌ مَظنُونٌ أبُوهُ قائماً . فأبوه : هو المفعول الأوّل ، وجاء مرفـوعاً ؛ لأنه أصـبح نائب فاعل لاسم المفعول ( مظنون ) وقائماً : المفعول الثاني . ويأتي منها المصدر ،نحو: عجبتُ من ظنَّك زيداً قائماً ، وهكذا الباقي من أفعال القلوب ما عدا ( هَبْ ، وتعلّمْ ) ، ويثبت لها كلّها من العمل وغيره ما ثبت للماضي . 2- أفعال غير متصرفة ( جامدة ) ، وهي فعلان ، هما : ( هَبْ ، وتعلَّمْ بمعنى اعْلَمْ ) فلا يُستعمل منهما إلا الأمر فقط .
وأَمَّا أفعال التحويل فكُلٌّها متصرفة ما عدا (وَهَبَ) فلا يُستعمل منه إلا الماضي .
س4- ما معنى التعليق ، والإلغاء ؟ واذكر تقسيم ظنّ وأخواتها باعتبار التعليق ، والإلغاء .
ج4- معنى التعليق : تَرْكُ العمل لفظاً لا محلاً ؛ وذلك بسبب مانع له حقّ الصدارة، وأهم هذه الموانع ما يلي :
1- لام الابتداء 2- لام القَسَم 3- الاستفهام .
4- حرف من حروف النّفي الثلاثة الآتية : ( ما ، إنْ ، لا ) . ومعنى الإلغاء : تركُ العملِ لفظاً ، ومحلاً لا لمانع من الموانع السابقة وإنّما بسبب توسّط الفعل الناسخ بين معموليه ، أو بسبب تأخّره عنهما ، وهذا هو سبب الإلغاء .
أما في التعليق فلا بُدَّ من مانع من الموانع السابقة مع وجوب تقدّم الفعل الناسخ على معموليه .
وبالنسبة لتقسيم هذه الأفعال باعتبار التعليق ، والإلغاء فهي كما يلي :
أ- أفعال التحويل : المتصرف منها ، وغير المتصرَّف لا تعليق فيها ، ولا إلغاء .
ب- أفعال القلوب : غير المتصَّرف منها لا تعليق فيه ولا إلغاء ، وهما فعلان فقط ( تعلَّمْ ، وهَبْ ) .
وأمَّا أفعال القلوب المتصَرِّفة فهي التي تختصُّ بالتعليق ، والإلغاء معاً دون غيرها من الأفعال . مثال التعليق : ظننت لزيدٌ قائمٌ ، فقولك : لزيدٌ قائمٌ ، لم تعملْ فيه (ظنّ) لفظاً ، وعملت فيه محلا ؛ وذلك بسبب المانع الذي فصل بين الفعل
الناسخ ومفعوليه ، وهو لام الابتداء ، ولام الابتداء لها حق الصدارة . وجملة
( لزيدٌ قائم ) في محل نصب سدّت مسدّ المفعولين بدليل أنك لو عطفت عليها لنصبت المعطوف ، نحو : ظننت لزيدٌ قائمٌ وعمراً منطلقاً . فالفعل (ظنَّ) عاملٌ محلا لا لفظا بسبب ذلك المانع . ومثال الإلغاء : زيدٌ ظننتُ قائمٌ ، فلا عملَ لظن في ( زيدٌ قائمٌ ) لا لفظاً ، ولا محلا ؛ وذلك بسبب توسّط الفعل بين معموليه .
ويثبت للمضارع ، وغيره من التعليق ، والإلغاء ما ثبت للماضي ، نحو : أظنُّ لزيدٌ قائمٌ ، ونحو : زيدٌ أظنُّ قائمٌ .
( م ) س5- هل التعليق ، والإلغاء يجري في غير أفعال القلوب ؟
ج5- التعليق ، والإلغاء معاً يختصان بأفعال القلوب المتصرفة وحدها دون جميع
ما عداها من الأفعال ، وهذا لا يُنافي أنّ التعليق وحده قد يجري في غير أفعال هذا الباب ، وذلك فيما يلي :
1-كلُّ فعلِ شكٍّ لا ترجيح فيه لأحد الجانبين على الآخر ، نحو : شَكَكْتُ أزيدٌ عندك أم عمرٌو ؟ برفع ( زيد ) على التعليق .
2-كل فعل يدل على العِلْم ، نحو : تَبَيَّنْتُ أصادقٌ أنت أم كاذبٌ ؟
3-كل فعل يُطلب به العِلم ، نحو : استفهمتُ أمقيمٌ أنت أم راحلٌ ؟
4-كل فعل من أفعال الحواس الخمس ، نحو : لَمَسْتُ ، أَبْصَرْتُ (نَظَرْتُ)، اسْتَمَعْتُ ، شَمِمْتُ ، ذُقْتُ ؛ تقول : لَمَسْتُ أناعمٌ جلدُك أم خَشِنٌ ؟ وتقول : أَبْصَرتُ أسريعةٌ خُطَاك أم بَطِيئةٌ ؟
وبذلك تعرف أن التعليق ، والإلغاء معاً من خصائص أفعال القلوب .
ج6- ذكر الناظم أنّ الإلغاء جائز لا واجب إذا لم يكن الناسخ في ابتداء جملته، كأن يقع وسطاً ،نحو: زيدٌ ظننتُ قائمٌ ، أو يقع متأخراً ، نحو: زيدٌ قائمٌ ظننتُ.
أما إذا وقع الناسخ في ابتداء جملته فيجب الإعمال ، نحو ظننتُ زيداً قائماً .
واختلف العلماء في أيَّ الأمرين أحسن الإلغاء ، أو الإعمال ؟ وذلك على التفصيل الآتي :
1- إذا توسَّط الناسخ بين المفعولين ، نحو : زيدٌ ظننت قائمٌ ، ففيه قولان :
أ- الإلغاء ، والإعمال سِيَّان .
ب- الإعمال أحسن من الإلغاء .
2- إذا تأخر الناسخ ، نحو : زيدٌ قائمٌ ظننتُ ، فالإلغاء أحسن .
عيَّن الشاهد في البيتين السابقين ، وما وجه الاستشهاد فيهما ؟
ج7- الشاهد في البيت الأول : وَمَا إخالُ لدينا منك تنويلُ .
وجه الاستشهاد : ظاهر هذا البيت أنّ الشاعر ألغى عمل ( إخال ) مع أنها متقدمة يجب إعمالها . وتخريج ذلك عند البصريين أنّ مفعولها الأول ضمير الشأن محذوف ، والتقدير ( وما إخاله ) ومفعولها الثاني جملة (لدينا تنويل). والكوفيون يرون أنه من باب الإلغاء ، فلا حاجة إلى التأويل . الشاهد في البيت الثاني : وجدتُ ملاكُ الشّيمِة الأدبُ .
وجه الاستشهاد : ظاهر هذا البيت أنّ الشاعر ألغى عمل (وجدت) مع أنّه متقدم يجب إعمالُه ، فقال الكوفيون : هو من باب الإلغاء ؛ لأن الإلغاء عندهم جائز مع تقدّم الناسخ ولذلك لا حاجة عندهم إلى التأويل .
وقال البصريون : هو إمّا من باب الإعمال على تقدير أنّ المفعول الأول ضمير الشأن محذوف ( أني وجدتُهُ ) والمفعول الثاني جملة (ملاكُ الشيمة الأدبُ ) وإمّا من باب التّعليق على تقدير دخول لام الابتداء على (مِلاك) والتقدير: أنّي وجدتُ لَمِلاكُ... .
( م ) س8- ظاهر قول الناظم ( وَجوَّز الإلغاء ) يفيد أن الإلغاء جائز لا واجب ، فهل هذا الحكم بالإجماع ؟
ج8- القول بأن الإلغاء جائز لا واجب هو مذهب الجمهور، وهو رأي النّاظم؛ ولهذا قال : " وجَوَّز الإلغاءَ " . وذهب الأخفش إلى أن الإلغاء واجب .
وذكر بعض المحققين أنّ للإلغاء ثلاثة أحكام ، هي :
1- وجوب الإلغاء ، وله موضعان :
أ- أن يكون الناسخ مصدراً متأخراً، نحو : عمرٌو مُسافرٌ ظَنَّي. فلا عمل هنا؛ لأنّ المصدر لا يعمل متأخراً .
ب- أن يتقدّم المعمول وتقترن به أداة تستوجب التصدير،نحو: لزيدٌ قائم ظننتُ.
2- امتناع الإلغاء ، وله موضع واحد ، هو : أن يكون العامل منفيا ، نحو : زيداً قائماً لم أظنّ . ولا يجوز (هنا) الإلغاء ؛ فلا تقول : زيدٌ قائمٌ لم أظنّ ؛ لئلا يُظَنّ أنّ صدر الكلام مثبت .
3- جواز الإلغاء ، والإعمال فيما عدا ما سبق .
وهذا بخلاف التَّعليق فإنه لاَزِمٌ ؛ ولهذا قال الناظم : " والتَزِم التَّعليق " . س9- ما حكم التعليق ؟ وضّح بالتفصيل .
ج9- التّعليق واجب إذا فصل بين الناسخ ومفعوليه فاصلٌ مِمَّا له الصدارة ؛ لأنّ الذي له الصدارة لا يعمل فيه ما قبله ، والفاصل أنواع أشهرها ما يلي :
1- ما النافية ، نحو : ظننتُ ما زيدٌ قائمٌ ، ونحو قوله تعالى : .
2- إِنْ النافية ، نحو : علمتُ إِنْ زيدٌ قائمٌ ، ونحو قوله تعالى : ً .
3- لا النافية ، نحو : ظننتُ لا زيدٌ قائمٌ ولا عمرٌو .
4- لام الابتداء ، نحو : ظننتُ لزيدٌ قائمٌ .
5- لام القسم ، نحو : علمتُ لَيقومَنَّ زيدٌ ، ونحو قوله تعالى : قال ابن عقيل : لم يَعُدَّ لام القسم من الْمُعَلِّقَاتِ أحدٌ من النحويين .
( م ) وقد عدَّها من المعلقات جماعة من النحويين، منهم ابن مالك، وابن هشام، وأبو الحجَّاج الأعلم الشَّنْتَمَرِي . ( م )
6- الاستفهام ، وله صورٌ ثلاث :
أ- أن يكون أحد المفعولين اسم استفهام وقع مبتدأ ، نحو : علمت أيُّهُم أبوك ، أو اسم استفهام وقع خبراً ، نحو : علمتُ متى السَّفرُ ؟ وكما في قوله تعالى :
وقوله تعالى : .
ب- أن يكون المبتدأ مضافا إلى اسم استفهام ، نحو : علمتُ غلامُ أيَّهم أبوك .
ج- أن يدخل عليه حرف استفهام ، نحو : علمتُ أزيدٌ عندك أم عمرٌو ؟
ونحو : علمتُ هَلْ زيدٌ قائمٌ أم عمرٌو ؟ ونحو قوله تعالى : .
وقد يكون الفاصل اسم استفهام فَضْلة ، كما في قوله تعالى :
فاسم الاستفهام ( أي ) فضلة ليس هو أحد المفعولين وهو منصوب على أنه مفعول مطلق نُصِب بما بعده ، وليس منصوبا بما قبله ؛ لأن الاستفهام له الصدارة ، فلا يعمل فيه ما قبله .
س10- اذكر خلاف العلماء في قوله تعالى : وفي قوله تعالى : .
ج10- أمّا الآية الأولى فذهب قوم إلى : أنّها من باب التعليق ؛ وذلك بسبب الفَصْل بـ ( إِنْ ) النافية ، كما سبق بيان ذلك في إجابة السؤال السابق . وذهب آخرون إلى : أنّ هذا ليس من باب التعليق في شيء ؛ لأن شرط التعليق : أنّه إذا حُذِف المعلِّق تسلَّط العامل على ما بعده فينصب مفعولين، نحو : ظننتُ ما زيدٌ قائمٌ ، فلو حذفت المعلِّق ( ما ) لقلتَ : ظننتُ زيداً قائماً ، والآية الكريمة لا يمكن فيها حذف المعلِّق ( إِنْ ) لأنك لو حذفت ( إِنْ ) لم يتسلَّط
الناسخ ( تظنون ) على ( لبثتم ) إذْ لا يُقال : وتظنون لبثتم .
والجواب على ذلك كما ذكر ابن عقيل : أنه لا يُشترط في التعليق هذا الشرط المذكور ، وتمثيل النحويين للتعليق بهذه الآية الكريمة شاهد لعدم صحَّة هذا الاشتراط .
* وأمَّا الآية الثانية ، فذهب قوم إلى : أنّ القَسَم معلِّق للفعل عن العمل، كما سبق بيان ذلك في إجابة السؤال السابق .
وذهب سيبويه ، وجمهرة النحاة : إلى أنّ (عَلِمَ ) في هذه الآية ، وفي وغيرها من الشواهد قد خرجت عن معناها الأصلي ونُزِّلت منزلة القسم ،وعلى هذا فإنّ ما بعد ( عَلِم ) جملة لا محل لها من الإعراب ؛ لأنها جواب القسم الذي هو (علم) وحينئذ لا تحتاج إلى معمول، ولا تَتَّصِفُ بإلغاء ، ولا تعليق ، ولا إعمال . *
ج11- يشير إلى أن الفعلين ( عَلِم ، وظنَّ ) يمكن تعدية كلٍّ منهما إلى مفعول واحد ؛ وذلك بشرط أن تكون عَلِمَ ، بمعنى (عَرَف) نحو : علمتُ زيداً ( أي : عرفته ) ونحو قوله تعالى :وبشرط أن تكون ظنّ ، بمعنى ( اتَّهَمَ ) نحو: ظننتُ زيدا ً(أي: اتَّهَمْتُهُ).
ج13- لا يجوز حذف المفعولين ، أو أحدهما إلاّ إذا دلّ عليهما دليل . فمثال حذف المفعولين : هل ظننتَ زيداً قائماً ؟ فتقول : ظننتُ . فَحُذِفَ المفعولين من الجواب اختصاراً ؛ لدلالة السؤال عليهما ، والتقدير : ظننت زيداً قائماً ، ومنه قوله تعالى: ( أي: تزعمونهم شركائي ) . ومثال حذف أحدهما : هل ظننتَ أحداً قائماً ؟ فتقول : ظننتُ زيداً . فحُذِفَ المفعول الثاني اختصاراً ؛ لدلالة ما قبله عليه ، والتقدير : ظننت زيداً قائماً .
فإن لم يدلّ دليل على الحذف لم يَجُز الحذف لا فيهما ، ولا في أحدهما ؛ فلا يقال : ظننتُ ، ولا ظننتُ زيداً ، ولا ظننت قائماً ، إذا لم يدل على المحذوف دليل .
عين الشاهد في البيتين السابقين ، وما وجه الاستشهاد فيهما ؟
ج14– الشاهد في البيت الأول : وتَحْسَبُ .
وجه الاستشهاد : حذف الشاعر مفعولي تحسبُ لدلالة ما قبلهما عليهما ، والتقدير : وتحسبُ حُبَّهم عاراً عليَّ . الشاهد في البيت الثاني : فلا تظنِّى غيرَه . وجه الاستشهاد: حذف الشاعر المفعول الثاني اختصاراً ، وهو معلوم من السياق ، والتقدير : فلا تظنّي غيرَه واقعاً منَّى... .
ج15- إذا وقع بعد فعل القول كلمة مفردة فهي مفعول به ،نحو : أقول الحقَّ .
وإذا وقعت بعده جملة حُكِيَتْ كما هي ، وتكون في محل نصب سدّت مَسَـدّ المفعول به ، نحو : قال زيدٌ عمرٌو منطلقٌ .
س16- متى يجوز إجراء القول مُجرى الظن ؟
ج16- للعرب في جواز إجراء القول مُجرى الظن ، مذهبان : أحدهما : جواز إجراء القول مُجرى الظن مُطلقا دون شرط ، أو قَيد . وسيأتي بيانه في البيت الآتي من الألفية . ثانيهما : لا يجوز إجراء القول مُجرى الظن إلا بشروط . وهذا هو مذهب عامّة العرب . وهذه الشروط أربعـة ، هي :
1- أن يكون الفعل مضارعاً .
2- أن يكون للمخاطَب .
وإلى الشرطين السابقين أشار الناظم بقوله : " اجعل تقول" . فالفعل تقول فعل مضارع ، وهو للمخاطَب .
3- أن يكون مسبوقاً باستفهام . وإليه أشار بقوله : " إن ولى مُستفهما به " .
4- ألاّ يُفْصَل بين الاستفهام ، والفعل إلا إذا كان الفاصل ظرفاً ، أو جاراً ومجروراً ، أو معمولاً للفعل . فإن فُصِل بأحد هذه الثلاثة لم يضرَّ . وهذا هو مراد الناظم بقوله : " ولم ينفصل بغير ظرف ..... " . فمثال ما اجتمعت فيه الشروط قولك : أتقول عَمْراً مُنطلقاً ؟ فَعَمْراً : مفعول أول ، ومُنطلقا : مفعول ثانٍ ؛ لأن ( أتقول ؟ ) بمعنى : أتظنّ ؟ ويجوز رفعهما على الحكاية ، نحو : أتقول عمرٌو منطلقٌ ؟
س17- ما الحكم إذا لم يتحقق شرط من الشروط الأربعة السابقة ؟
ج17- إذا لم يتحقق شرط من الشروط الأربعة السابقة لم يَجز أن يَنْصبَ القولُ مفعولين عند عامّة العرب . فإن كان الفعل غير مضارع ، نحو : قال زيد عمرٌو مُنطلقٌ ، لم ينصب القول مفعولين ، وكذا إن كان مضارعاً لغير المخاطب ، نحو: يقول زيدٌ عمرٌو مُنطلقٌ ، وكذا إن لم يكن مسبوقاً باستفهام ، نحو : أنت تقول عمرٌو منطلقٌ ، وكذلك إن سُبق باستفهام ولكن فصل بين الاستفهام ، والفعل بغير ظرف ، ولا جار ومجرور ، ولا معمول للفعل فلا يجوز أيضاً أن ينصب القول مفعولين ، نحو : أأنت تقول زيدٌ منطلقٌ ؟ فإن فُصِل بأحد هذه الثلاثة جاز النصب ، نحـو : أعندك تقول زيداً مُنطلقاً ؟ ،
ونحو : أفي الدار تقول زيداً مُنطلقاً ؟ ونحو : أعمراً تقول مُنطلقاً ؟
فالفاصل في المثال الأول الظرف ( عندك ) والفاصل في المثال الثاني الجار والمجرور ( في الدار ) والفاصل في المثال الثالث المعمول ( عَمْراً ) وهو المفعول الأول لـ ( تقول ) .
عيّن الشاهد في البيتين السابقين ، وما وجه الاستشهاد فيهما ؟
ج18- الشاهد في البيت الأول : متى تقول القلصَ يحملْنَ .
وجه الاستشهاد : أجرى الشاعر ( تقول ) مجرى ظَنَّ فنصب به مفعولين ، الأول : القلصَ ، والثاني : جملة يحملْنَ ، وذلك لاستيفائه الشروط . الشاهد في البيت الثاني : أجُهّالاً تقول بني لُؤَى .
وجه الاستشهاد : أعمل الشاعر (تقول) عمل تظنّ فنصب مفعولين ، الأول : بني لؤي ، والثاني : جُهَّالا مع أنّه قد فَصَل بين الاستفهام ، والفعل بفاصل ، وهو قوله (جهالا) وهذا الفاصل لا يمنع النّصب ؛ لأنه معمول للفعل ؛ إذ هو مفعول ثانٍ له .
س19- اذكر بالتفصيل مذهب العرب الذي يُجِيزُ إجراءَ القولِ مُجرى الظَّنَّ مُطلقا .
ج19- مذهب العرب الذي يُجِيز إجراء القول مجرى الظنّ مُطلقا هو مذهب
( سُلَيْم ) فهم يُجيزون في لغتهم إعمال القول عمل ظنّ دون شرط ( أي : سواء كان مضارعاً ، أم غير مضارع ، وسواء تحقّقت الشروط السابقة أم لم تتحقّق ) نحو : قُلْ ذا مُشفقا . فـ ( ذا ) مفعول أول ، ومشفقا : مفعول ثان ، وناصبهما فعل الأمر قل . ففعل الأمر (قل) نصب مفعولين مع أنّ الشروط تستلزم أن يكون مضارعاً للمخاطب ، وأن يُسبق باستفهام .
عيّن الشاهد في البيت السابق ، وما وجه الاستشهاد فيه ؟
ج20- الشاهد فيه : قالتْ ... هذا ... إسرائينا . وجه الاستشهاد : أعمل الشاعر الفعل الماضي ( قال ) عمل ظنَّ فنصب به
مفعولين ، الأول : هذا ، والثاني : إسرائينا مع أن الفعل ليس مضارعاً ، وليس مسبوقاً باستفهام . فهذا من لغة سُلَيم الذين يجيزون نصب المفعولين بالقول مطلقا .
والذين لا يجيزون ذلك يقولون : ( هذا ) مبتدأ ، و ( إسرائينا ) مضاف إلى محذوف يقع خبراً ، والتقدير : هذا مَمْسُوخُ إسرائينا . ( إسرائينا : لغة في إسرائيل ) .[/center][/center] شرح ظن واخواتها يوتيوب